منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

على وجوبها ، ففي هذه الصورة يتخير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالظن بالطريق ولكن التخيير منوط بعدم وجود العلم الاجمالى في الطرق وإلا فاللازم مراعاة الظن بالطرق وفاقا لصاحب الفصول حيث ادعى بأن الواقعيات منجزة بمؤدى الطرق ، فلا يجب رعاية الواقع الذي هو مؤدى الطريق وما ينسب الى صاحب الفصول من القول بتقييد الواقعيات بمؤدى الطرق ، ففي غير محله بل غرضه تقييد تنجز الواقعيات بمؤدى الطرق لا الواقع مقيدا بما هو في مرتبة الواقع بل هو من حيث كونه مقيدا بمرتبة التنجز.

وبالجملة فالقول بالتخيير بين الظن بالواقع والظن بالطريق على الاطلاق لا وجه له ، بل في خصوص مثال صلاة الجمعة في زمان الغيبة وما عدا هذا الفرض لا وجه للتخيير بل يلزمه القول بالظن بالواقع فقط ، في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالواقع دون الطريق.

والقول بالظن بالطريق فقط. في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالطرق كما ذكره الشيخ قدس‌سره في فرائده (١) ، وقد وافقه عليه

__________________

(١) وفاقا للاستاذ المحقق النائينى (قده) بتقريب ان مقدمات الانسداد إنما تقتضي كون الظن مؤمنا في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح فكما أن القطع في حال الانفتاح لا يفرق فيه بين القطع بالواقع والقطع بالطريق ، فكذلك الظن في حال الانسداد لا يفرق فيه بين كونه ظنا بالواقع او بالطريق وخلافا لصاحب الفصول وصاحب الحاشية حيث اختارا حجية الظن المتعلق بالطريق ، وقد استدل الاول منهما بما حاصله انا نقطع أنا مكلفون بالتكاليف الواقعية ونقطع ايضا بأن الشارع قد نصب لنا طرقا

٣٠١

الاستاذ في الكفاية من القول بالتخيير على الاطلاق مما لم يعلم وجهه خصوصا

__________________

محصلة للتكاليف فمرجع القطعين الى انا مكلفون بالواقع المستفاد من الطرق المنصوبة لنا انتهى.

أقول : ليس غرضه (قده) من مرجع القطعين هو انقلاب الواقع الى مؤدى الطريق لكي يرد عليه بأن لازمه التصويب المجمع على بطلانه بل مراده أن العلم بالتكاليف الواقعية تنحل الى العلم بالطرق فيعد الانحلال يكون التكليف بالواقع المؤدي بالطريق وليس كلامه ناظرا الى التصويب المجمع على بطلانه.

وبالجملة مرجع كلام صاحب الفصول الى ان العلم الاجمالي الكبير ينحل بقيام منجز ولو كان ذلك المنجز علما اجماليا قام على بعض الأطراف فيكون المقام نظير ما ذكر في الانسداد الصغير المدعى في الأخبار غاية الأمر أن ذلك إقامة دليل الانسداد في موضوع الطريق أي بجعل اصل الطريق وفي المقام إقامة دليل الانسداد لطريقية الطريق ولا يخفى ان مقالة الفصول لا ترجع الى محصل إذ المنجزية والمعذرية إنما هما من لوازم الصورة المعلومة في صقع النفس فما لم تكن الصورة معلومة لا تحصل المنجزية ولا المعذرية إذ الحكم الواقعي في ظرفه ليس بمنجز وانما يتنجز بعد وصوله ، فالحجية عبارة عن الوصول فالعلم الاجمالي بالطريق لا يوجب الوصول الى المكلف فما لم يصل بنفسه او بطريقه لا يوجب انحلال العلم الاجمالى الكبير. وقد استدل الثانى وهو صاحب الحاشية (قده) انه من المسلم انما يكون في حال الانفتاح المعتبر فيه العلم يكفي في حال الانسداد الظن به إذ الظن في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح ولازم ذلك ان يكون متعلق العلم والظن شيئا واحدا وبيان كلامه (قده) يتألف من مقدمات ثلاثة :

٣٠٢

على ما ذهب اليه الاستاذ في مسألة التجري من سراية الحرمة الى

__________________

(الأول) : ان خروج المكلف عن عهدة التكليف في مرحلة الامتثال في حال الانفتاح إنما يكون يحكم العقل ببراءة ذمته وخروجه عن عهدة التكليف وليس معناه انه لا يكفي العلم بالتكليف الواقعي إذ ان كفايته عقلية ولا مجال لانكاره بل المراد ان تحصيل الامتثال شرعا ما يحصل به الواقع بالطرق الشرعية وهو الذي يكون مستتبعا لفراغ الذمة عن حكم المكلف ولازم ذلك ان تترتب المقدمة الثانية التي هي كون المكلف به هو العلم بالطرق الشرعية لتحصيل المراد دون الأحكام الواقعية كيفما انفق واذا كان كذلك كان يحكم المقدمة التي جعلناها اصلا موضوعيا هو كفاية الظن بالطريق الذي يحكم معه بفراغ الذمة.

لما عرفت ان الذي يعتبر في حال الانفتاح نفس الطريق فلا بد وان يكون في حال الانسداد يكفي الظن بالطريق ، فان ظنية الطريق تلازم الظن بالفراغ عن حكم المكلف وهذان المقدمتان لا يثبتان المطلوب إلا بضم المقدمة الثالثة وهي ان العلم بالواقع في مرحلة الانفتاح لما كان طريقا عقليا كان في مرتبة نفس الطريق الشرعي وليس في مرتبة العلم بالطريق الشرعي إذ العلم بالطريق الشرعي ليس علما بالواقع وانما هو علم بنفس الطريق المحرز للواقع ولازم ذلك انه في ظرف الانفتاح يتخير في الإتيان بأحد الطريقين العقلي او الشرعي بالنسبة الى مرحلة الامتثال ، واما في ظرف الانسداد فلا بد من سقوط الطريق العقلي اعني العلم بالواقع ولا يمكن قيام الظن مقامه حيث ان العلم لما كان من الصفات النفسانية غير القابل لوقوع الظن مقامه فيبقى الطريق الآخر اعنى العلم بالطريق الشرعي لما كان ساقطا من جهة الانسداد لا ينافى قيام الظن بالطريق مقامه

٣٠٣

العمل الخارجي خلافا للشيخ حيث اختار عدم السراية ، وحينئذ لو قامت

__________________

ولازم قيام الظن هو الظن بفراغ الذمة عمّا اشتغلت بحكم المكلف فظهر من ذلك ان الظن بالطريق هو الحجة دون الظن بالواقع هذا غاية ما يمكن ان يقال في تقريب كلامه (قده) إلّا أنّك خبير ان في كلامه مواقع للنظر.

اولا ـ ان المناط في تفريغ الذمة عن حكم المكلف في مرحلة الامتثال مما لا يرجع الى محصل حيث ان مقام الامتثال غير قابل لحكم شرعي مولوي وانما هو وظيفة العقل فيحكم بحسن الامتثال في مورد الموافقة وبقبح العصيان في مورد المخالفة ولسنا ندعي ان مورد الامتثال غير قابل لجعل شرعي حتى في مورد الشك فان قاعدة التجاوز او الاستصحاب الموضوعي إنما هى مجعولة في مورد الشك وإنما ندعي ان حكم الشارع في غير مورد الشك في مرحلة الامتثال غير قابل للجعل فجعل حكم شرعي في ظرف الامتثال لغو لا بالاصالة ولا بالملازمة.

لما عرفت ان باب الملازمة إنما هي في الاحكام العقلية الواقعة في سلسلة علل الاحكام لا ما يكون في سلسلة معلولات الأحكام ومن الواضح ان مرحلة الفراغ انما هي من قبيل الثاني دون الاول.

وثانيا ـ ان اعتبار الطريق ليس كيفما اتفق وانما هو من جهة انه مؤدى لنفس الأحكام الواقعية بالهوهوية التي ذكرناها سابقا في جعل الطرق وإلّا لو كان اعتبار الطريق مطلقا لزم التصويب المجمع على بطلانه.

وبالجملة اعتبار الطريق باعتبار ان ما حكم الشارع حكما جعليا بأنه نفس الأمر الواقعي فظهر مما ذكرنا انه ليس المناط في ظرف الانسداد اعتبار الطريق كيفما اتفق وانما الاعتبار باعتبار انه مؤدى نفس الواقع.

٣٠٤

امارة مظنونة الاعتبار على وجوب صلاة الجمعة التي يظن بتحريمها واقعا فاذا

__________________

وثالثا : دعوى ان الطريق في مرتبة الواقع ممنوعة حيث ان الطريق بنفسه لا اثر له وانما الذي يترتب عليه الآثار من المنجزية والمعذرية بوجودها العامي فعليه يكون العلم بالواقع مع العلم بالطريق في مرتبة واحدة فيترتب عليه ان الظن بالطريق والظن بالواقع في مرتبة واحدة.

فاتضح مما ذكرنا ان مقدمات دليل الانسداد لا تنتج حجية الظن بالطريق بل يعم الظن بالطريق والظن بالواقع ، واما القول باعتبار الظن بالواقع من دون اعتبار الظن بالطريق كما هو المنسوب الى المحقق الشريف وبعض تلامذته بما حاصله ان التعبد بالطريق ليس إلا بما فيه جهة كاشفية عن الواقع وليس للطريق موضوعية فالمناط هو تحصيل الواقع فلو دار الامر بين الظن بالطريق والظن بالواقع فالظن بالواقع متيقن الارادة فحينئذ يتعين ارادته ، واما الظن بالطريق فاعتباره مشكوك فيه ويكفي في عدم الحجية نفس الشك ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان الظن في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح ، فكما ان في حال الانفتاح العلم بالواقع والعلم بالطريق في مرتبة واحدة وكلاهما حجة ، فكذلك الظن في حال الانسداد وقد عرفت ان حجية الطريق ليس شيئا مباينا مع الواقع وفي عرضه ، وانما هو جعل مؤدى الطريق هو الواقع وهو المراد من جعل الهوهوية فحينئذ يكون الظن بالطريق ظنا بالواقع.

نعم لو قلنا بالتصويب يكون المجعول بالطريق في عرض الواقع فظهر مما ذكرناه وجه المختار من انه لا فرق بين الظن بالطريق ، والظن بالواقع على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

٣٠٥

أخذ بالامارة على طبقها يكون منجزا لأنه لم يكن عنده علم اجمالى في الطرق التي بأيدينا فمع فرض عدم قيام العلم بالطرق يكون احتمال مخالفة الامارة للواقع معتدا به فمع كونه كذلك فكيف يسوغ الأخذ بالامارة المظنونة الاعتبار وليس العمل بها إلا تجريا وحرمة التجري تسري الى العمل الخارجي كما هو رأي الاستاذ (قده) فيكون على رأيه العمل بالامارة تعريض للنفس للعقوبة بلا ظن بالمؤمن. نعم هو بناء على رأي الشيخ في أن العمل بها ظن بالمؤمن لعدم سراية حرمة التجري الى العمل الخارجي وانما هو ينبئ عن سوء السريرة.

وبالجملة القول بالتخيير على مسلك الشيخ متجه وعلى ما سلكه الاستاذ غير متجه. ثم لا يخفى ان أحسن ما يمكن توجيه القول بالتخيير دعوى ثبوت العلم الاجمالى بوجود تكاليف فعلية التي هي أعم من الواقعية والظاهرية ، فعليه يتم القول بالتخيير وربما يستشكل على صاحب الفصول بأن حصر الاعتبار في خصوص الظن بالطريق لا يفيد إذ كل واقع يظن بأنه مؤدى وإن لم يكن واصلا الينا. ولكن لا يخفي ما فيه بأن ذلك إنما يتم لو كان مدعاه وجود علم اجمالى في الطرق ولو لم يصل الينا ولكن خلاف مؤدى العبارة التي نقلها الشيخ (قده) حيث قال : «بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة». فان هذه العبارة ظاهرة في أن دعوى صاحب الفصول هو تحقق العلم الاجمالي في الطرق الواصلة الينا فاذا كانت دعواه ذلك فلا يرد عليه هذا الاشكال إذ الواقع المظنون ما لم يكن مؤدى طريق واصل لم يكن من أطراف العلم الاجمالى ثم لا يخفى أنه قد استدل لاعتبار الظن بالطريق بالخصوص دون الظن بالواقع بوجه آخر وهو ما ذكره صاحب الحاشية بما

٣٠٦

حاصله ان الشارع لم يرد منا الواقعيات على الاطلاق ، ولم تكن الواقعيات على الاطلاق مطلوبة بل الواقعيات مطلوبة على وجه مخصوص فلو جيء بها على غير ذلك الوجه لم يأت بما هو المطلوب ، ففي الانسداد لو لم يظن بالمأذونية لم يجتز به عن الواقع ، فلا بد من الظن بالمأذونية ، والظن بالمأذونية يساوق الظن بالطريق ولكن لا يخفى ان لازم هذا عدم العمل بالقطع إلا أن يرد امضاء من الشارع إذ لو لا ذلك لا معنى للعمل به إذ العمل به على هذا النحو خلاف المرخص به ولازم ذلك ان يكون القطع مما تناله يد الجعل.

وقد عرفت في مبحث القطع أن القطع لا تناله يد الجعل لا إثباتا ولا نفيا بل هو بنفسه منجعل غير قابل للجعل فاذا كان القطع غير قابل للجعل بالنسبة الى حال الانفتاح ، فالظن في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح فالظن بالواقع في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح ، ولو سلم قبوله للردع ، إلا انه لا يتوقف على الامضاء من الشارع بل يكفي عدم الردع وفي المقام لم يثبت من الشارع ردع ، فلذا يجب العمل بالظن بالواقع.

ثم لا يخفى انه على القول بأن الظن بالواقع هو المعتبر بناء على القول بتبعيض الاحتياط بمناط تحقق العلم الاجمالى للتكليف ، وأما بناء على الكشف فأما أن نقول بوجود علم اجمالى بنصب الطرق كان المدار على الظن بالواقع وان كان ثمة علم اجمالى فان كان بين الامارات التي بأيدينا وبين غيرها فيكون العمل بالظن بالواقع كما تقدم ، وان كان في خصوص التي بأيدينا كان المدار على الظن بالطريق إذ الواقع لم يكن منجزا إلا بمقدار ما بأيدينا. والحاصل ان الظن إن قررت مقدمات الانسداد على نحو الكشف فلا اشكال في استكشاف

٣٠٧

حجيته مطلقا من غير فرق بين الظن بالواقع ، وبين الظن بالطريق ، وأما على تقرير الحكومة فحاله يختلف بحسب تقريرها ، فعلى تقريرها بملاك الاهتمام فيمكن دعوى اختصاصها بخصوص الظن بالواقع إذ القدر المتيقن من الاهتمام إنما هو اهتمام الشارع بالتكاليف الواقعية في دائرة الظنون. وأما الطرق المجعولة واقعا فلم يحرز اهتمامها فلا معنى لتعميم النتيجة وأما بناء على تقريرها بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين فللتعميم مجال إذ العمل بأيهما حصل يرتفع المحذور المذكور وأما بناء على مسلك التبعيض فيختلف الحال باختلاف العلم الاجمالى ، فان كان العلم الاجمالى بالواقعيات فلا معنى للتعميم بل لا بد من تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالواقعيات وان حصل العلم الاجمالى بالطرق فلازمه تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالطريق.

ودعوى ان المقدمات إنما تقرر لحفظ الواقع والخروج عن عهدته وهو كما يحصل بالظن بالواقع يحصل بالظن بالطريق مدفوعة بأن وجود العلم الاجمالى بالواقعيات موجب لعدم تحقق العلم الاجمالى بالطرق أو لعدم تحقق الانسداد فيها.

نعم لو قلنا بتحقق العلم الاجمالى بمطلق الوظيفة الفعلية التي هي أعم من الواقعية والظاهرية فتكون النتيجة هو التعميم.

وأما لو قلنا : بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية وعلم اجمالى بجعل الطرق فتكون النتيجة هو خصوص الظن بالطريق لانحلال العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية المؤداة بتلك الطرق والى ذلك نظر صاحب الفصول على ما عرفت منا سابقا حيث قال : «ومرجع القطعين ... الخ»

٣٠٨

فان غاية ما يمكن توجيه كلامه هو انحلال العلم الاجمالى الى مؤديات تلك الطرق فيكون الشك فيما عداها من الشك البدوي وبهذا التوجيه يندفع اشكال الشيخ (قده) إذ مع الانحلال فلا بد من القول بالظن بالطريق.

ودعوى عدم انحلال العلم الاجمالى إذ لازمه جريان الاصول لفظية وغيرها وجريانها منوط بوصول تلك الطرق الى المكلف على نحو التفصيل ومع عدم العلم بوصولها تفصيلا لا تجري تلك الاصول ومع عدم جريانها يبقى العلم الاجمالى الكبير مدفوعة بأن الموجب للانحلال هو الجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا وبذلك ينحل العلم الاجمالى الكبير وكيف كان فمع تحقق العلم الاجمالى بالواقعيات وعدم وجود علم اجمالى بالطرق يكون المدار على الظن بالواقع ، وأما مع تحقق العلم الاجمالى بالطرق فالمدار على العمل بالظن بالطريق.

وهكذا لو قلنا بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف وانها هي مؤديات الطرق فتكون النتيجة الظن بالطريق.

وبالجملة لا معنى للتخيير بين الظن بالطريق بالواقع الا على بعض الوجوه التي ذكرناها فلا تغفل.

التنبيه الثاني : في أن نتيجة دليل الانسداد هل هي مهملة أم غير مهملة فنقول : على ما هو المختار من كون نتيجة دليل الانسداد هي الحكومة فلا بد من التعميم من حيث السبب ومن حيث المرتبة فيمكن القول بالإهمال ، وأما على الكشف فقد ذكر الشيخ الأنصارى (قده) التعميم لعدم وجود مرجح فما يتوهم كونه مرجحا ، اما لتيقن اعتباره واما لأقوائية بعض الظنون على بعض وإما من جهة كون بعض الظنون مظنون الاعتبار أما المرجح الأول : فعلى تقدير

٣٠٩

وجوده لا يفي بمسائل الفقه. وأما الثاني : فان الأقوائية غير منضبطة ، فرب قوي يوجد ما هو أقوى منه وعلى تقدير وجود ما ليس أقوى منه فليس إلا الظن الاطمئناني وهو لا يفي بمسائل الفقه. وأما الثالث : فان ملاك الحجية انما هو بنظر الشارع والعقل ليس له دخل في الحجية فيمكن أن يجعل الشارع الموهوم حجة دون المظنون.

وبالجملة ان المرجحات بعضها غير مرجح وبعضها مرجح لا يفيد. هذا ملخص كلام الشيخ الأنصاري (قده) في فرائده.

وأما الاستاذ (قده) في الكفاية قال : بأن تعميم النتيجة على الوجهين الأولين مبني على كون الطريق الواصل الى المكلف بنفسه إذ عليه لا يكون مجال لاستكشاف حجة أخرى غير الظن إذ مع التردد لا تكون الحجة واصلة ولكن لا يخفى أن هذا في مورد لا يكون متيقن في البين ، وأما لو كان متيقن وهو كاف في الفقه كان المجعول بدليل الانسداد هو لا غير فالترجيح بمتيقن الاعتبار له وجه لا الترجيح بمظنون الاعتبار وكونه أقوى.

لما عرفت أن مناط الحجية بيد الشارع فللشارع جعل الموهوم والضعيف دون المظنون والقوي. والاستاذ (قده) قرب الترجيح بمظنون الاعتبار بوجه آخر حيث قال : ثم لا يخفى ان الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فانه حينئذ يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أو لا واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ولكنه من

٣١٠

المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار.

وبالجملة الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع الاعتبار.

أقول : ما المراد بالوصول بنفسه فان كان المراد بالوصول بنفسه الاطلاع على ملاك الحجية فهو ليس بمظنون الاعتبار بعدم الاطلاع على ملاك الحجية إذ ليس لأحد أن يدعي الاطلاع على ملاكات الحجج ولعلها كانت في موهومه وإن كان المراد بالوصول بنفسه وصول الطريق بنفسه ولم يعرص عليه الدواعى المؤمنية للاخفاء فهو ليس إلا القول باهمال النتيجة إذ ليس الواصل خصوص مظنون الاعتبار بل الذي وصل المشكوك والموهوم أيضا فتكون النتيجة هي الاهمال ودعوى تعميم النتيجة ، وأن تعيين خصوص مظنون الاعتبار يحصل باجراء مقدمات انسداد آخر فيه ضعيفة إذ هو توجيه لكلامه بما لا يرتضيه فراجع كلامه في الحاشية حتى يتضح لك الحال.

وبالجملة فملخص كلام الاستاذ في الكفاية أنه بناء على الطريق الواصل بنفسه يحكم بتعيين النتيجة أو التعيين في متيقن الاعتبار من غير حاجة الى اجراء مقدمة الانسداد وبناء على الطريق الواصل ولو بطريقة يحتاج في تعميمها الى اجراء مقدمات الانسداد وبناء على أن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من كون النتيجة هي الاهمال. وكيف كان فاهمال النتيجة واطلاقها بالنسبة الى الموارد والأسباب والمراتب (١) يختلف بحسب المسالك التي ذكرناها

__________________

(١) قال الاستاذ المحقق النائينى (قده) في مجلس درسه الشريف «ان بيان كلية النتيجة او اهمالها تظهر في ذكر امور» :

(الاول) : ان المناط في كلية النتيجة او اهمالها هل هو كون

٣١١

فإنّه بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط بملاك منجزية العلم الاجمالى الرادع

__________________

الظن المستنتج بدليل الانسداد على النهج العام الاصولي بمعنى ثبوت حجية الظن في كل مسألة مسألة أو كون النتيجة هو الظن بنحو العام المجموعي بمعنى حجية الظن في مجموع المسائل. وبعبارة اخرى حجية الظن في الجملة بحيث يحتاج في تعيين كل مرتبة في الظن الى تعدد اعمال دليل الانسداد الى ان تحصل المرتبة المعينة مثلا لو كانت النتيجة حجية الظن في الجملة.

فأول ما يوجب التعيين هو القدر المتيقن كالخبر الصحيح المزكى بعدلين ، فان لم يف فيجري دليل انسداد ثان ونتيجته ايضا تكون مهملة فيؤخذ بالمتيقن من الباقى بعد اخراج الصحيح الاعلائى فان لم يف فيجري دليل انسداد ثالث. وهكذا الى يحصل ما يفي بمعظم الفقه.

(الأمر الثاني) : ان كلية النتيجة ليست في خصوص التكاليف الالزامية بل تجري في غيرها من الكراهة والاستحباب والاباحة كما انها تجرى في الاحكام التكليفية والوضعية لعموم الملاك المستفاد من المقدمة الثانية التي هي وجوب التعرض لامتثال الاحكام في غير فرق بين التكليفية وغيرها.

(الامر الثالث) : انك قد عرفت ان مدرك المقدمة الثانية أحد امور ثلاثة : الإجماع ، والخروج عن الدين ، والعلم الاجمالي. ومدرك المقدمة الثالثة التي هي عدم وجوب الاحتياط أحد امرين : احدهما ان الشارع لم يكتف في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي ، وثانيهما نفي العسر والحرج اذا عرفت ذلك فاعلم انه بناء على كون المدرك في المقدمة الثانية هو الاجماع ، وفي الثالثة ايضا الاجماع على عدم رضا الشارع بالامتثال الاحتمالى تكون النتيجة مستلزمة للكلية حيث ان الاجماع على عدم

٣١٢

عن الرجوع الى الظن عقلا في مقام الاسقاط فتكون النتيجة هو الاطلاق.

__________________

الرضا بترك التعرض لامتثال الوقائع المشتبهة وانا لسنا مهملين كالبهائم انما هو من فروع الاجماع الكلي الدال على عدم جواز الرجوع الى الأصول في موارد الفحص عن الدليل الاجتهادي فاذا كان الاجماع في المقام من فروع ذلك الاجماع فلا يرجع الى الاصول النافية كما هو مقتضى الاجماع ، واما المثبتة فلمكان العلم الاجمالى بمخالفتها للاخبار التي بأيدينا فتسقط لأجل العلم الاجمالى ، وأما الاحتياط فيسقط للاجماع على عدم رضاء الشارع بالامتثال الاحتمالى فيستكشف من ذلك وجود حجة وافية بالفقه وليس إلا الظن بحكم العقل في كل مسألة فرض انسداد باب العلم ضرورة ان سقوط الاصول والاحتياط في كل مسألة يستتبع حجية الظن وإلّا لزم التكليف بغير المقدور ، وهكذا الحال لو بنينا على كون المدرك في المقدمة الثانية العلم الاجمالى اذ الاصول لا تجري مطلقا المثبتة والنافية لتعارضها وتساقطها. وبالمقدمة الثالثة تقتضي عدم وجوب الاحتياط في كل مسألة ، فلا مجال إلا عن حجية الظن في كل مسألة وإلا لزم المحال المذكور. وأما لو كان المدرك للمقدمة الثانية هو الخروج عن الدين فلا تصل النوبة الى حجية الظن حتى يقع البحث في ان النتيجة مهملة أم مطلقة ، إذ البحث عن كون النتيجة مهملة او مطلقة فرع الوصول الى النتيجة ومع عدم الوصول لا معنى للبحث.

بيان ذلك هو ان لزوم الخروج عن الدين إنما يلزم لو جرت الاصول النافية في كل الموارد ، وأما لو جرت في بعضها والاحتياط في البقية فلا يلزم الخروج عن الدين إذ عليه تكون النتيجة هي التبعيض لا حجية الظن.

نعم لو اغمضنا النظر عن هذا الاشكال وقلنا بحجية الظن

٣١٣

لما عرفت ان النوبة لما انتهت الى الامتثال الظني بمقتضى المقدمة الرابعة فحينئذ لا يفرق العقل في الحكم بالرجوع الى الظن بين موارده واسبابه ومراتبه

وأما بناء على مسلك الحكومة الذي هو المختار فالنتيجة هي الاطلاق يحسب الموارد والأسباب.

لما عرفت انه بمقتضى المقدمة الرابعة يستقل العقل بكون الظن مرجعا من غير فرق بين الموارد والأسباب.

نعم بحسب المراتب يتعين الأخذ بأقوى المراتب من الظنون مع فرض كونه وافيا بمعظم الفقه لكون ذلك هو أقرب الطرق الى الواقع من غير فرق بين تقرير الحكومة بملاك الاهتمام أو بملاك الفرار عن محذور الخروج عن الدين وعلى تقديره فلا اهمال على ما اخترناه من الحكومة. وأما بناء على الكشف (١)

__________________

فلا يتم على نحو الاطلاق لكونه حجة في الجملة فيمكن جريان الاصول النافية في بعض الموارد. وهكذا لو بنينا على كون المدرك في المقدمة الثانية هو الاجماع. وفي الثالثة نفي العسر والحرج.

لما عرفت منا سابقا ان جريان العسر والحرج يوجبان التبعيض لا حجية الظن ومع الاغماض فينتج حجية الظن في الجملة.

وهكذا الحال لو كان المدرك في المقدمة الثانية هو الخروج عن الدين ، وفي الثالثة نفي العسر والحرج.

(١) كما هو مختار الاستاذ النائيني (قده) وعليه ان كلية النتيجة تدور مدار سقوط البراءة في المقدمة الثانية بنحو العام الاصولى وعدم وجوب الاحتياط بالاجماع وذلك واضح بناء على ان سقوط الاصول النافية لأجل الاجماع على وجوب التعرض للوقائع المشتبهة والاصول

٣١٤

فلا اطلاق بحسب الموارد والأسباب والمراتب حيث ان الملاك على الكشف

__________________

المثبتة لمكان العلم الاجمالى بما في ايدينا من الاخبار.

واما بناء على ان تلك المقدمة الثانية مدركها هو لزوم الخروج عن الدين ، وفي الثالثة الاجماع وان استلزم الكشف إلّا انه ينتج حجية الظن في الجملة.

واما بناء على الحكومة فتكون النتيجة كلية لو كان المستفاد من المقدمة الثانية هو وجوب الموافقة القطعية الموجب لسقوط الاصول في كل مسألة مسألة. وفي المقدمة الثالثة هو الاجماع على عدم ارادة الامتثال الاحتمالى.

نعم لو كان المدرك من المقدمة الثالثة هو لزوم العسر والحرج تكون النتيجة حجية الظن في الجملة. وكيف كان فالاهمال يحتاج الى معين ولا يخفى ان المعين لو كان محفوظا في مرتبة اخذ النتيجة ، وكذا المعمم لو كان محفوظا في مقام النتيجة كانت حجية الظن بذلك المعين او المعمم واصلا بطريقه بخلاف ما لو كانت النتيجة كلية فان حجية الظن تكون واصلة بنفسها لا بطريقها. واما لو كان المعين غير محفوظ في مرتبة النتيجة كما لو جرت مقدمات الانسداد.

ثانيا وثالثا : كانت النتيجة واصلة بطريقها لا بنفسها وسر الفرق انه لو كان المعين محفوظا في تلك المرتبة يكون مانعا عن جريان مقدمات الانسداد. ثانيا لأن من جملتها انسداد باب العلم والعلمي ومع تحقق المعين في تلك المرتبة يكون الباب مفتوحا لا منسدا فظهر مما ذكرناه ان ضابط الواصل بنفسه هو ما يكون معلوما حجيته بحكم العقل بلا حاجة في هذا الحكم الى عناية بخلاف الواصل بطريقه فانه يحتاج الحكم الى

٣١٥

ليس الى حكم العقل بلزوم الأخذ بالأقرب مجال وإنما هو أمره راجع الى الشرع

__________________

عناية كانت العناية مقدمة عقلية أم غيرها ، فان تلك العناية هي طريق للايصال.

اذا عرفت ذلك فنقول : ان انتفاء المعين موجب للتعميم ومن هنا جعل الترجيح بلا مرجح ملاكا للتعميم فحينئذ ان اثبات المعين لأجل ان يكون الترجيح مع المرجح لا بد من بيان امور :

الاول ـ هو الظن الاطمئناني وبحسب الظاهر انه بمقدار الكفاية فدعوى شيخنا الأنصاري (قده) انه ليس بمقدار الكفاية مدفوعة ويظهر له ذلك لمن تتبع. هذا بحسب المورد ، وأما بحسب السبب فالظاهر انه هو المعين وهو ايضا بمقدار الكفاية فان الطرق العقلائية المفيدة للوثوق تكفي لمن تتبع وهي متيقنة الاعتبار في ظرف الانسداد ، فدعوى شيخنا الأنصاري (قده) كون القدر المتيقن هو خصوص الظن المسبب عن الخبر المزكى بعدلين ورجاله مزكي بعدلين في تمام السلسلة ولا يكون تمييز مشتركاته بظن أضعف من الظنون المعمولة في تزكية رجاله وان لا يكون المشهور على خلافه وان لا يكون على خلافه ظن آخر يوجب تضعيفه الى آخر ما ذكره من الشروط الخمسة فان ذلك خلط بين متيقن ومتيقن ، فان المتيقن الذي ذكره هو المتيقن في باب خبر الواحد بمقتضى ما دل دليل اعتباره لا المتيقن في باب الانسداد ، فان المراد منه ان لا يحتمل اعتبار غيره من الظنون وعدم اعتباره ولو اغمضنا عن ذلك فلا بد للمصير الى المتيقن الاضافى وان كان شيخنا الأنصاري (قده) تردد فيه من جهة انه لا يعلم أي شيء متيقن اضافي بمعنى انه لو فرض ان طائفة كانت من رجال سنده مزكى بعدلين في تمام السلسلة ولكن تمييز مشتركاته بظن

٣١٦

فيمكن للشارع جعل مطلق الظن أو الظن في الجملة ، فلا بد من استفادة الاطلاق من الامور الخارجية.

__________________

ضعيف وكانت الطائفة الاخرى على العكس بأن كان تمييز مشتركاته بظن قوي ورجاله مزكى بعدل واحد وهكذا. ولكن الانصاف ان ذلك إنما يتم على مسلكه ، واما على ما ذكرناه من معنى القدر المتيقن فلا يتم حيث ان الخبر المزكى بعدلين جميع الطبقات مما يوجب الوثوق ولا يكون حجة غيره مع عدم حجيته. واما بحسب الموارد فالظاهر انه لا معين له فحينئذ يتعين التعميم.

المرجح الثاني ـ مظنون الاعتبار ومعناه ان الخبر لو قام على حجيته الشهرة مثلا يكون الظن الحاصل من الشهرة مظنون الاعتبار في قبال الظن القياسي الذي لم يقم حجة على اعتباره.

ثم ان القائلين بمرجحية مظنون الاعتبار على طائفتين :

احدهما ـ جعل مظنون الاعتبار انما هو بنفسه من دون ان يكون الظن بالاعتبار مستندا الى دليل الانسداد.

وثانيهما ـ يكون مرجحية الظن بالنسبة الى الظن المستنتج من دليل انسداد آخر المعبر عنه بالانسداد الصغير.

وكيف كان فقد ذكروا ان المدرك في اعتبار مظنون الاعتبار اقرب الى الحجة واقرب الى تحصيل مصلحة الواقع.

وبالجملة المرجح في الحقيقة مركب من جزءين اقرب الى الحجة واقرب الى تحصيل الواقع ، اما الجزء الاول فواضح حيث انه يحتمل حجيته من دون بقية الظنون ، واما كونه اقرب الى مصلحة الواقع ، فلأنه بناء على المصلحة السلوكية يكون اقرب من بقية الظنون بالنسبة الى

٣١٧

والحق انه بناء على الكشف إما أن تكون النتيجة الطريق الواصل

__________________

مصلحة الواقع ، في صورة المصادفة فيصل الى مصلحة الواقع ، واما في صورة الخطأ فتحصل مصلحة عوضا عن مصلحة الواقع وهي المصلحة السلوكية بخلاف الظنون التي لم يقم دليل على اعتبارها فانها في صورة الخطأ لا مصلحة سلوكية فيها كما هو اوضح من ان يخفى. إلا ان شيخنا الانصاري قدس‌سره اورد على كلتا المقدمتين اما المقدمة الاولى فلأن الأقربية الى الحجية لا توجب تعيين ما هو الحجة شرعا فان الحجة إنما تكون واصلة بنفسها او بطريقها.

ودعوى حكومة العقل بأن مظنون الاعتبار اقرب الى الحجة بلا دليل بل هو صرف استحسان لا توجب الحجية شرعا.

نعم ذلك يكون مرجحا في ناحية الارادة كما لو تردد في سلوك احد الطريقين ولا يخفى ان ذلك موجب للخلط بين باب الارادة وباب الحجة ، واما الاقربية الى تحصيل مصلحة الواقع فيرد عليه انه ترجيح بالاولوية بلا مرجح حيث ان المكلف لم يكن مكلفا بتحصيل المصالح الواقعية ، وانما هو مكلف بمتعلقات التكاليف الواقعية ومجرد كونه المظنون اقرب الى تحصيل مصلحة الواقعية لا تفيد إلا الاولوية ولا يوجب تعيين الحكم بالطريق.

لما عرفت من كون الطريق طريقا يتوقف على كونه حجة شرعا او عقلا ومظنون الاعتبار لم يثبت حجيته لكي يثبت طريقيته. وثانيا ينبغي ان يكون المرجح هو ما يكون مظنونا بظن آخر مظنون اعتباره فإنّه هو اولى مما لا يكون قد ظن بظن آخر قد ظن اعتباره اللهم إلا ان يقال : بأن الترجيح بمظنون الاعتبار قد ظن باعتباره مستلزم للتسلسل فان الظن الثاني يكون مظنون الاعتبار بظن ثالث وهذا ايضا مظنون

٣١٨

بنفسه ، وإما ان تكون الواصل بطريقه ، وإما أن تكون مطلق الطريق ولو لم يصل فعلى الأول يلزم القول بالاطلاق بحسب الموارد والأسباب والمراتب لما هو معلوم بالاستقلال العقل بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة فيكون الشارع أو كل في تعيين مجعوله الى العقل ، ولا اهمال في حكم العقل بحسب الموارد والاسباب فالنتيجة بحسبهما مطلقة وبحسب المرتبة متعينة وهو الأخذ بالأقرب فالأقرب ، ومن ذلك يعلم ان الجمع بين حجية الظن عقلا مع القول باهمال النتيجة تهافت ومن هنا نقول بترجيح مظنون الاعتبار على غيره لقربه الى الواقع أو الى

مظنون بظن رابع وهكذا الى ما لا نهاية له وهو واضح البطلان مضافا الى ان ذلك مجرد خيال وإلا فلا يفرق بين مظنون الاعتبار وبين ما هو مظنون الاعتبار بظن قد ظن باعتباره بالنسبة الى الاقربية لمصلحة الواقع بناء على المصلحة السلوكية على تقدير المخالفة ، واما ما افاد شيخنا العلامة الانصاري (قده) اخيرا بما حاصله ان مظنون الاعتبار انما يكون مرجحا فيما اذا كان اعتباره بالظن المطلق لا ما إذا كان اعتباره من باب الظن الخاص حيث ان المدعي مرجحية ما يكون من سنخ ما يقصد ترجيحه لا ما من سنخ آخر ولكن لا يخفى ان معنى اهمال النتيجة كونها بين مراتب الظنون ولا يمكن تقديم بعضها على بعض للزوم الترجيح من غير مرجح فلو فرض ثبوت مرجح لبعض الظنون فحينئذ يخرج عن استحالة الترجيح من غير مرجح وهذه المزية لا يفرق فيها بينما تكون مستفادة من دليل الانسداد وبينما تكون مستفادة من غيره إذ الفرض اخراجه عن دائرة الترجيح من دون مرجح ولعله الى ذلك اشار بقوله فافهم على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

٣١٩

بدله مع فرض المخالفة للواقع لما هو معلوم ان الظن بالحجية ظن بتدارك ما خالف الواقع والأخذ بمظنون الاعتبار متعين بلا حاجة الى استفادة ذلك من دليل خارجي.

وأما على الثاني أى كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقة فيحتاج في رفع الاهمال الى اجراء مقدمات انسداد آخر في تعيين ذلك الطريق مرارا الى ان يحصل ظن واحد فيؤخذ به لتعيينه قهرا أو ظنون متعددة متساوية الاعتبار فيؤخذ بالجميع لعدم وجود مرجح.

وعلى الثالث وهو كون النتيجة هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من القول بالاهمال.

أقول : ما ذكره الشيخ (قده) سابقا من دعوى قيام الاجماع على إلحاق المشكوكات بالموهومات ومرجعه الى حجية الظن في دليل الانسداد ينافي ما ذكره من ان مناط الحجية ليس بيد العقل ، والشارع له التصرف ، فيمكن أن يجعل الموهوم ولم يجعل المظنون لأن قيام الاجماع على حجية الظن في دليل الانسداد كون خصوص الظن هو المجعول ولا يحتمل غيره.

نعم لو كان استكشاف حجية الظن من غير الاجماع على القول بالكشف بل كان بمقدمة عدم الاهمال بحيث لو لم يكن عندنا علم اجمالي يمكن القول بمقدمية انا غير مهملين وهو لا يكون إلا بأن يكون بيان منصوب من الشارع وذلك يوجب الانحلال إلا ان الحجة لم تتعين في خصوص الظن بل يحتمل كون الحجة في غير الظن ، فحينئذ يتوجه اعتراض الشيخ (قده) ويتجه كلام الاستاذ بأنه يمكن تعيينها بمتيقن الاعتبار بناء على كون الحجة هى الواصلة بنفسها

٣٢٠